أيــام الســباق

موضوع: أيــام الســباق 2012-11-30, 15:02

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، وبعد..

فها
هو شهر رمضان تجري أيامه ولياليه، بالأمس كنا ننتظر هلال رمضان، والآن
ننتظر دخول عشر الختام، التي ربما اقتربت وأحدنا ما زال بعيدًا عن ربه،
وربما أحدنا لم يفتح القرآن، ولم يتصدق بصدقة، ولم تتميز أيام رمضان عنده
بمزيد من العبادة وللأسف،

[center]حَتَّى مَتَـى يَـا قَلْـبُ تَغْـرَقُ فِي .. .. لُجَـجِ الهـوى إنّ الْهَوَى بَحرُ

هَـا قَـدْ حَبَـاكَ اللَّـهُ مَغْفِـَرةً .. .. طَرَقَتْ رِحَابَكَ هَـذِهِ العَشْـرُ

إخوتي!
إنها عشرٌ كريمة مباركة، أيامُ سباق يتنافس فيها المتنافسون، ولا يعرف
قدرها إلا العارفون، فيها ليلة القدر التي يفرق فيها كل أمر حكيم، تتنزل
فيها الملائكة الكرام من السماء إلى الأرض بإذن من ربهم جل وعلا، ليشهدوا
عبادة المسلمين وتضرعهم، فتتنزل رحمة الله وعفوه ومغفرته على هؤلاء
العابدين، الذين يتذللون ويمدون أيديهم لربهم جل وعلا، ودموعهم تنهمر
مدرارا على وجناتهم، وربك يتنزل إلى السماء الدنيا فينادي عباده ويسمعهم
ويراهم ويجيبهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها، ففي الصحيح عن عائشة -رضي الله تعالى- عنها قالت: ((كَانَ النَّبِيُّ r إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)). وخرَّج الإمام أحمد والترمذي من حديث عليٍّ t أن النبي r: ((كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)). فيتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حال خاص في هذه العشر الأخيرة من رمضان،

فلنتنافس في الخيرات فيها {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}، ولنقتد بنبينا صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، ولتكن لنا عبادات وخلوت مع الله عز وجل فيها.

فهيا
أخي الكريم! أحيِ ليلك .. أيقظ أهلك .. افتح مصحفك .. أخرج دمعتك .. رطب
لسانك .. استحضر قلبك .. مُدَّ يدَك .. اسأل ربك .. تضرع بين يديه.

هيا أخي الكريم لإحياء هذهِ الليالي المباركة، بقلوبٍ خائِفَةٍ راجيةٍ، وعيونٍ بَاكِيَةٍ، وآذانٍ واعيةٍ، ولنطلب
من ربنا أن يتوب علينا وأن يعفوَ عنا، وأن يغفر لنا ويرحمنا، وأن يسترَ
علينا بستره الجميل، وأن يثبتنا على الإيمان حتى الممات، وأن يهون علينا
عند الموت السكرات، وأن يقينا ما في القبر من عذاب وحسرات، وأن يهون علينا
في الموقف العصيب المهول بين يديه يوم العرض والحساب، إذ إنَّ هذا اليوم
مليءٌ بالأهوال التي تشيب لها الولدان، وتضع عندها كل ذات حمل حملها، وتذهل
وقتها كل مرضعة عما أعرضت، وترى حينها الناس كأنهم سكارى وهم ليسوا كذلك،
موقف عصيب، ومنظر مهول:

يوم القيامة لو علمت بهوله .. .. لفررت مـن أهـل ومـن أوطـان

يوم تشققت السمـاء لهولـه .. .. وتشيـب فيـه مفـارق الولـدان

يوم عبوس قمطرير شره .. .. في الخلـق منتشـر عظيـم الشـان

والجنـة العليـا ونـار جهنـم .. .. داران للخصمـيـن دائمـتـان

يوم يجيء المتقون لربهـم .. .. وفـدا علـى نجـب مـن العقيـان

ويجيء فيه المجرمون إلى لظـى .. .. يتلمظـون تلمـظ العطشـان

نعوذ بالله من هول هذا الموقف، ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسأله
سبحانه أن يهون علينا الحساب، وأن يجعلنا ممن ثقلت موازين حسناتهم، وأن
يجعلنا ممن يأخذون كتابهم باليمين، لننال الخير العميم من الله تعالى.

ها هي أيام السباق قد أطلت .. فهيا لنستعد لاستقبالها بالخيرات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه/

محمود الفقي (أبو أحمد)[/center]